مقال رأي لمحرر الشؤون الرياضية في موقع CNN بالعربية، عبيدة نفاع. هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر CNN.
عندما يسأل أحد أبناء جيل العشرينيات حالياً أباه عن سبب عدم شغفه بمتابعة المنتخب السوري لكرة القدم يأتيه الجواب بالعامية: "هدول ما بيجي من وراهن إلا وجع القلب"… هذا الجواب ليس وليد اللحظة ولم يخرج إلا من حُطام سنوات طويلة من الفشل وغياب الإنجازات للكرة السورية على مدار 84 عاماً تقريباً لم يُحقق فيها المنتخب الوطني سوى بطولتين غير معترف بهما من الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا): بطولة كأس غرب آسيا 2012 وألعاب البحر المتوسط 1987.
وبعد كل السنين تلك حمل عام 2018 شيئاً لم يكن مألوفاً للجماهير السورية؛ منتخب يضم لاعبين محترفين على مستوى عال يقترب من الوصول إلى نهائيات كأس العالم في روسيا بوصوله للملحق الآسيوي. وبعد أن شعرالسوريون أن الحلم يقرع أبواب الحقيقة، حرم القائم الأيسر للحارس الأسترالي ماثيو رايان المنتخب السوري من مواصلة الحلم نحو الملحق العالمي، فاستعاد الجمهور ذكريات الخيبات السابقة المُعتادة لكنه كان مصراً على عدم التفريط هذه المرة بجيل يُعتبر الأكثر قُرباً للنجاح في تاريخ الكرة السورية.
ونتيجة لذلك وجه الجميع في سوريا الأنظار نحو كرة القدم وعلت الأصوات المطالبة باستقطاب مدربين على مستوى عالٍ بل ووصل تأثير الجمهور السوري إلى حد تغيير رئيس الاتحاد الرياضي العام السابق ذي الخلفية العسكرية، اللواء موفق جمعة، وقبله كان قد سقط اتحاد كرة القدم تحت ضغط الشارع الغاضب من الفشل في كأس آسيا 2019، ليُعين البطل الرياضي فراس المعلا رئيساً للاتحاد الرياضي العام واللاعب السابق ذو الخلفية الشُرطية، العميد حاتم الغايب رئيساً لاتحاد الكرة.
استبشر السوريون خيراً بهذا التغيير ورأوا "طاقة فرج" تسلل نورها إلى قلوبهم العطشى للفرحة بعد عقد من المعاناة التي سببتها الحرب ولا بأس بأن تكون الرياضة وكرة القدم خصوصا مصدر تلك الفرحة المنتظرة.
نجح الاتحاد الجديد بالتعاقد مع المدرب التونسي نبيل معلول، بعد جدل واسع حول هوية المدرب الذي سيقدر على تلبية طموحات المدرج السوري، فرغم أن المدرب السابق فجر إبراهيم حقق انتصارات خمسة في تصفيات كأس العالم إلا أن الجماهير الذواقة لم تكن راضية عن الأداء ولم تر في إبراهيم المدرب الذي سيقود السفينة نحو بر المونديال في قطر.
وبعد أشهر من تعيينه ظهر معلول في حوار مع الإعلامي السوري لطفي الإسطواني مشتكيا من عدم تلقيه والكادر الفني الذي يعمل معه الأجر اللازم نظرا للعقوبات المفروضة على الحكومة السورية وعدم قدرة الاتحاد السوري على تحصيل الأموال المجمدة لدى الاتحادين القاري والدولي، وألمح آنذاك المدرب التونسي إلى إمكانيه سفره إلى بلاده بلا عودة، لكن ذلك لم يحدث، فعاد معلول ليقود "نسور قاسيون" في أول معسكر خارجي استضافته الإمارات منتصف نوفمبر/تشرين ثاني الجاري.
تأهب المشجع السوري وانتظر ما سيقدمه منتخب بلاده تحت قيادة المدرب الجديد في أول مباراتين، وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالجدل والتحليل والتوقعات والأمنيات والنقاشات التي يُمكن أن توصف بـ"الحادة" في كثير من الأحيان، ومع انطلاق صافرة نهاية مباراة الأردن (الثانية في المعسكر) بخسارة سوريا بهدف نظيف، ورغم فوزها على أوزبكستان بالنتيجة نفسها، بدا وكأن شهر العسل بين الجمهور والمدرب التونسي شارف على النهاية، فقد بدأت بالفعل الانتقادات الحادة من مشجعين وإعلاميين حول أسلوب اللعب والأحمال الزائدة في التدريبات والأداء "الهزيل" وسوء مستوى اللاعب المحلي… إلخ.
ومع رؤية كل تلك التعليقات والانتقادات بزغ ذلك السؤال المشروع: هل نحن نتحدث عن اليابان أم سوريا؟ فمطالبة بعض الجماهير بالأداء المقنع والنتائج المبهرة في أول مباراتين تجانب الصواب تماما، ورغم أن ردود الفعل تلك مفهومة ومبررة إلا أن على أصحابها أن ينظروا إلى المرحلة التي تمر بها الكرة السورية في الوقت الراهن ثم يسألوا أنفسهم: "هل نحن نحاول الحفاظ على إرث كروي (مثلما تفعل اليابان وإيران وكوريا الجنوبية) أم أننا في طور بناء إرث كروي يعوض خيبات الماضي؟".
وحين يُظرح هذا التساؤل على التاريخ، سيكون الجواب الثاني الأكثر قربا ومطابقة وتوافقا مع الواقع، فمن حق المشجع السوري أن يحلم بالوصول إلى كأس العالم لكن عليه أيضا أن يُدرك أن تحقيق الهدف بعد أن خرج من فقاعة الحلم، يحتاج لصبر وواقعية وهدوء بالتعامل مع تطورات الأحداث على الساحة الكروية السورية.
ما أظهره المتتخب السوري تحت قيادة المدرب الجديد يُبشر بالخير رغم أن النتائج لم تكن على مستوى التوقعات، فالفريق السوري يحاول بناء اللعب من الخلف لأول مرة في تاريخه ورغم أنه لم يحقق نجاحا باهرا حتى الآن في ذلك إلى أن اللاعبين بحاجة لوقت للتعود على هذه الطريقة التي لا تؤمن بالتشتيت العشوائي والاعتماد على نقل الكرة من الدفاع للهجوم فورا، مثلما قال معلول في حوار مع برنامج "الكابتن"، علاوة على أن المدرب الجديد نجح بإقحام عدد من اللاعبين الجدد وضخ دماء جديدة تحتاج لوقت كي تنسجم مع بقية نجوم الفريق من أصحاب الخبرة.
كل ذلك لا يعني أن معسكر الإمارات مر دون عيوب أو أخطاء، فقد ظهرت مشاكل جوهرية في خط الدفاع على وجه الخصوص وأخرى تتعلق بالإبداع في وسط الملعب وثالثة تتمحور حول الفاعلية الهجومية في ظل غياب نجمي الفريق، عمر السومة وعمر خربين، اللذان أثارا علامات استفهام عدة وتكهنات حول غياب الأول عن المعسكر وإبعاد الثاني عنه لـ"تدخله بالأمور الفنية"، وهي الحادثة التي كانت الأكثر تعكيرا لصفو المعسكر الفائت.
ونظرا لكل ما سبق، من الواضح أن المنتخب السوري يعيش مشروعا جديدا يجب أن يُصبر عليه حتى ينضج ويجني اللاعبون والجمهور ثماره، والمؤكد أن سوريا حاليا تستطيع احتلال مكان بين كبار القارة في كرة القدم لكن الواقع يفرض نفسه: "فالإرث الكروي لا يزال قيد الإنشاء".