هذا المقال بقلم الدكتور حبيب الملا، الرئيس التنفيذي لمكتب "بيكر ماكنزي-حبيب الملا" للمحاماة في الإمارات العربية المتحدة. إن الآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
أثار خبر قيام طيران الإمارات بالاستغناء عن عدد من مضيفي الخدمة الجوية وقائدي الطائرات اهتمام وسائل الإعلام، التي قامت بإبراز الخبر والتركيز على العدد الذي تم الاستغناء عنه. صحيح أن العدد كبير نسبيا (600 قائد طائرة و7000 مضيف جوي)، ولكنه في واقع الأمر لا يشكل نسبة كبيرة من إجمالي عدد موظفي طيران الإمارات (يعتقد البعض النسبة التي تم الاستغناء عنها في حدود الـ15%).
وقطاع السياحة يعد من أهم القطاعات الحيوية في دولة الإمارات حيث تبلغ مساهمته الإجمالية نحو 11.9٪ من الناتج المحلي الإجمالي كما أنه يساهم في توفير ما يقارب من 745 ألف فرصة عمل طبقاً لبيانات مجلس السياحة السفر العالمي لعام 2019.
وقد كانت النتائج مع نهاية العام الماضي تشير إلى أن القيمة الرأسمالية للطيران التجاري في العالم تبلغ نحو 16 تريليون دولار، ويبلغ متوسط النمو السنوي لحركة المسافرين نحو 4.6٪، وحجم النمو في خدمات شحن البضائع يصل إلى 4٪، وفي الشرق الأوسط كان معدل نمو حركة الطيران 5.1٪.
لكن قطاع صناعة الطيران في العالم كان من أكثر القطاعات التي تضررت بسبب جائحة كورونا. فالاقتصاد الحديث يقوم على مبدأ مهم هو الحركة المستمرة للبشر والبضائع والأموال. وعماد هذه الحركة هو قطاع النقل بأدواته المختلفة من طيران أو أساطيل بحرية أو شاحنات برية. ولقد تسببت حركة الإغلاق التي قامت بها الدول كإحدى أهم الإجراءات الاحترازية من جائحة كورونا في وقف هذه الحركة المستمرة وبالتالي فقد أصاب قطاع النقل وخاصة الطيران (باعتبار أنه القطاع الأكثر نقلا للأشخاص ومن ثم البضائع) في مقتل.
وقد أدى تفشي فيروس كورونا المستجد "كوفيد – 19" إلى إجبار العالم من شرقه إلى غربه على إيقاف أشكال السفر كافة. ومع التعليق الكامل لمعظم الاقتصاد العالمي توقفت حركة الشحن أو تراجعت بشكل خطير، وهذا جعل شركات الطيران في العالم كله تعاني تراجع الإيرادات إلى حدود كارثية.
فقد أعلن اتحاد النقل الجوي الدولي (إياتا) أن العام الحالي سيكون أسوأ عام مسجل في التاريخ لناحية الخسائر المادية في مجال الطيران وتوقع أن تنخفض الإيرادات من 838 مليار دولار في العام الماضي إلى 419 مليار دولار بخسارة تزيد على 400 مليار دولار، وأن كل يوم يمر هذا العام يكبد القطاع خسائر تصل إلى 230 مليون دولار.
وأضاف الاتحاد أن قيمة الخسارة المتوقعة تمثل انخفاضاً بنسبة 55% في إيرادات خدمات الركاب مقارنة بإيرادات العام السابق بناء على حركة النقل الجوي التي من المتوقع أن تتراجع 48%.
وأشار الاتحاد إلى أن شركات الطيران السعودية خسرت 7,2 مليار دولار من الإيرادات فيما خسرت شركات الطيران في الإمارات قرابة 6,8 مليار دولار. وحذر الاتحاد من أن الخسائر قد تصل إلى 100 مليار دولار في عام 2021 مع مواجهة حركة السفر الجوي صعوبة في التعافي.
وتكاليف العمالة والوقود هما أكبر عناصر التكاليف لشركات الطيران، حيث يمثلان نحو 50%، ويعد عنصر تكلفة الوقود من الأمور السهلة على الشركات التخلص من أعبائها، ولكن العمالة -التي تمثل نحو 32% من التكاليف- لا يمكن التخلص من أعبائها في ظل أزمة توقف الطائرات، إلا وفق شروط التعاقد.
والخسائر التي تكبدتها شركات الطيران لا تتوقف عند حدود تكبد رواتب العاملين، أو مصروفات الصيانة، أو سداد التزاماتها تجاه البنوك التي موّلت شراء طائراتها سابقا، بل إن الأمر يمتد ليشمل الأنشطة المرتبطة بهذه الشركات من وكالات ومطارات وحكومات، وشركات تعمل في مجال التوريد لأنشطتها المختلفة.
مشكلة قطاع الطيران بشكل عام أن ربحية الشركات العاملة فيه متعلقة بعوامل عديدة خارج القطاع، منها مثلا فتح الأجواء أمام حركة السفر وسهولة إجراءات الدخول إلى الدول التي تقوم بفتح مطاراتها أمام حركة السفر ولن يستطيع القطاع العودة إلى الربحية إلا بعد فتح الاجواء وارتفاع معدلات الاشغال الى نسب عالية.
العقبة الأخرى التي يواجهها هذا القطاع أنه سيكون هو والسياحة آخر القطاعات الاقتصادية تعافيا إذ لن يقبل الناس على السفر إلا بعد أن يزول الخوف من العدوى.
نشر