القاهرة، مصر (CNN)– تُتخذ كل يوم قرارات إما بتأسيس أو تصفية شركات عالميا، وقد يزداد الأمر هذه الأيام مع التأثير السلبي لتداعيات جائحة كوفيد19 على الاقتصاد العالمي، آخر قرارات التصفية التي شهدتها مصر كانت من نصيب شركة الحديد والصلب المصرية، أقدم شركة لإنتاج الحديد والصلب في مصر وأول مجمع متكامل لإنتاج الصلب في العالم العربي، ولذا أثار قرار الحكومة بتصفيتها تداعيات عديدة، وانقسام بين الحكومة والبرلمان.
وقررت الجمعية العامة غير العادية لشركة الحديد والصلب المصرية، يوم 11 يناير الجاري، الموافقة على تقسيم الشركة إلى شركتين، شركة الحديد والصلب التي تم تصفيتها، وشركة المناجم والمحاجر، وتملك الحكومة الحصة الأكبر بالشركة من خلال الشركة القابضة للصناعات المعدنية، التابعة لوزارة قطاع الأعمال، والتي تصل نسبة ملكيتها نحو 82%
وأرجعت الجمعية، في بيان شركة الحديد والصلب، للبورصة المصرية، سبب قرار التصفية إلى تدنى المؤشرات المالية والإنتاجية والاقتصادية للشركة وعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه الغير وأهمها توفير أجور العاملين وتوفير مستلزمات الإنتاج والتشغيل الاقتصادي، وتدهور اقتصاديات التشغيل والخلل في هيكلها المالي، مما أدى إلى تزايد خسائرها المرحلة والتي بلغت 8.2 مليار جنيه في 30 يونيو 2020، والتي تمثل نسبة 547% من حقوق المساهمين، إضافة إلى تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات عن القوائم المالية المنتهية في يونيو 2020، والذى يؤكد وجود شك جوهري في استمرار الشركة وعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها الحالية أو المستقبلية.
وتعددت تداعيات قرار تصفية شركة الحديد والصلب المصرية، منذ صدوره، إذ تصدر السهم قائمة الأسهم المتراجعة بالبورصة المصرية على مدار الـ4 جلسات الماضية بنحو أكثر من 9% بكل جلسة، ونظم عمال الشركة احتجاجات داخل مقرها بحلوان اعتراضاً على القرار- بحسب ما نقلته وسائل إعلام محلية- فيما تقدم النائب مصطفى بكري باستجواب للحكومة لمعرفة أسباب قرار التصفية، ومدى إمكانية دراسة جدوى تطويرها.
قال النائب محمد سعد بدراوي، عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النوب، لـCNN بالعربية، إن البرلمان يستهل الدورة الجديدة باستدعاء هشام توفيق وزير قطاع الأعمال العام خلال الأسبوع المقبل، لمناقشة قرار تصفية شركة الحديد والصلب، ومراجعة الأداء المالي لها، كما سيتطرق النقاش حول إمكانية إيجاد بدائل لاستمرار نشاط الشركة مع التخلص من الديون والخسائر أم أن قرار التصفية هو البديل الوحيد، خاصة وأن قيمة تعويض العمال تصل إلى 2 مليار جنيه يمكن استخدامها كجزء من إعادة الهيكلة أو التطوير كمثال، مضيفاً "مازال هناك نقاط قابلة للنقاش حول الشركة".
وحول تدخل البرلمان لحماية حقوق العاملين بشركة الحديد والصلب، أكد "بدراوي"، أن صرف تعويضات للعاملين بالشركة بعد قرار التصفية أمر محسوم من جانب الحكومة، ولكن الأهم من ذلك مناقشة وزير قطاع الأعمال في إمكانية تطوير الشركة وإعادتها للربحية، لا سيما وأن هناك دراسة لمجلس إدارة الشركة الحالي بشأن إمكانية تقليص الخسائر في غضون ثلاث سنوات، خاصة وأن عدد العمال انخفض بشكل كبير من 18 ألف عامل إلى نحو 7 آلاف عامل نتيجة الخروج التلقائي على المعاش.
غير أن "بدراوي" لفت إلى تحقيق شركة عز الدخيلة للصلب- أكبر منتج للصلب في مصر- خسائر وصلت إلى 3.5 مليار جنيه خلال أول 9 شهور من عام 2020، وهو ما يعني تغير في مقومات صناعة الحديد من وجهة نظره، حيث كانت "الدخيلة" تتعرض لخسائر قبل عام 2000 وتحولت للربحية بعد شرائها من جانب رجل الأعمال أحمد عز ثم عاودت تحقيق خسائر مرة أخرى مؤخراً.
أشار "بدراوي"، إلى أنه من ضمن المقترحات المناقشات التي مازالت لم تطرح رسمياً في البرلمان، تشكيل لجنة تقصي حقائق لمراجعة بيانات الشركة لتكوين رؤية شاملة عن قرار التصفية، خاصة وأن شركة الحديد والصلب كانت بمثابة ذراع قوي في الأوقات الاستراتيجية.
من جانبها ترى رانيا يعقوب خبيرة أسواق المال، عضو اللجنة الاستشارية للهيئة العامة للرقابة المالية، أن قرار تصفية شركة الحديد والصلب، يشير إلى عهد جديد للاقتصاد المصري لم نشهده من قبل، موضحة وجهة نظرها أنه كان من الصعب في السابق اتخاذ قرار جرئ بتصفية شركة الحديد والصلب، والتي تمتلك تاريخ طويل حيث أسست عام 1954 بتكنولوجيا ألمانية ثم تطويرها مرة أخرى في بداية الستينات بتكنولوجيا من الاتحاد السوفيتي سابقاً.
وأرجعت يعقوب، في تصريحات خاصة لـCNN بالعربية، سبب اللجوء إلى قرار التصفية، نتيجة تدهور الأداء المالي والتشغيلي للشركة بسبب توالي إدارات لا تتميز بالكفاءة وعدم وجود دراسات جدوى حقيقية لتطويرها لمواكبة أحدث التكنولوجيا، مما أدى لتكبد الشركة خسائر ضخمة، ولذا أصبح من الصعب استمرارها بهذا الوضع، خاصة أن عملية إعادة الهيكلة ستكون تكلفتها أعلى بكثير من استمرار نشاط الشركة، لذا كان القرار الصعب من جانب وزير قطاع الأعمال العام بتصفية الشركة بعد دراسة الأمر.
وأشارت يعقوب، إلى أن بعض إدارات الشركة السابقة قدمت بيانات مغلوطة بشأن تحقيق أرباح واخفاء الخسائر، منوهة إلى ما تضمنه بيان وزارة قطاع الأعمال العام، من تحقيق الشركة خلال الأعوام المالية من 1997/ 1998 وحتى العام المالي 2002/2003، أرباح هامشية لا تعبر عن الواقع من خلال استخدام إدارات الشركة آنذاك الفروق الدائنة نتيجة لعدم تقييم الأصول (الأراضي) التي بلغت نحو 4092 مليون جنيه، لتحقيق أرباح وهو ما كان مثار اعتراض الجهاز المركزي للمحاسبات.
وذكرت يعقوب، أن القرار سيكون سلبياً على العاملين بالشركة الذين سيتم تعويضهم، ولكن بالمقابل فإن استمرار النشاط بهذه الخسائر كان سيسبب عبء أكبر على العمال، مؤكدة على أن قرار تصفية شركة الحديد والصلب، لن يؤثر على سوق الحديد بمصر، وذلك لانخفاض حجم إنتاجها، وعدم تمثيله بنسبة تذكر في إجمالي إنتاج مصر من الحديد، بسبب عدم كفاءة أفران التشغيل بمصنع الشركة، والتي تعمل بتكنولوجيا قديمة.
وحول أداء سهم شركة الحديد والصلب بالبورصة المصرية، قالت خبير أسواق المال، إن السهم يسيطر عليه تعاملات أفراد ومضاربين ولذا مع صدور قرار تصفية الشركة اتجهوا إلى البيع المكثف مما أدى إلى تراجع السهم، منوهة إلى أن إحجام المؤسسات أو صناديق الاستثمار على الاستثمار بالسهم بسبب ارتفاع خسائره المرحلة إلى 8 مليارت جنيه.